فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ} أي أنتم أيها المخاطبون هؤلاء الموصوفون بما تضمنه قوله تعالى: {إن يسألكموها} [محمد: 37] الخ. والجملة مبتدأ وخبر وكررت ها التنبيهية للتأكيد. وقوله سبحانه: {تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ في سَبِيلِ الله} الخ استئناف مقرر ومؤكد لذلك لاتحاد محصل معناهما فإن دعوتهم للأنفاق هو سؤل الأموال منهم وبخل ناس منهم هو معنى عدم الإعطاء المذكور مجملًا أولا أوصلة لهؤلاء على أنه بمعنى الذين فإن اسم الإشارة يكون موصولا مطلقًا عند الكوفيين وأما البصريون فلم يثبتوا اسم الإشارة موصولا إلا إذا تقدمه ما الاستفهامية باتفاق أو من الاستفهامية باختلاف. والإنفاق في سبيل الله تعالى هو الإنفاق المرضي له تعالى شأنه مطلقًا فيشمل النفقة للعيال والأقارب والغزو وإطعام الضيوف والزكاة وغير ذلك وليس مخصوصًا بالإنفاق للغزوأوبالزكاة كما قيل.
{فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ} أي ناس يبخلون {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} فلا يتعدى ضرر بخله إلى غيرها يقال: بخلت عليه وبخلت عنه لأن البخل فيه معنى المنع ومعنى التضييق على من منع عنه المعروف والإضرار فناسب أن يعدي بعن للأول وبعلى للثاني. وظاهر أن من منع المعروف عن نفسه فإضراره عليها فلا فرق بين اللفظين في الحاصل. وقال الطيبي: يمكن أن يقال يبخل عن نفسه على معنى يصدر البخل عن نفسه لأنها مكان البخل ومنبعه كقوله تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} [الحشر: 9] وهو كما ترى {والله الغنى} لا غيره عز وجل {وَأَنتُمُ الفقراء} الكاملون في الفقر فما يأمركم به سبحانه فهو لاحتياجكم إلى ما فيه من المنافع التي لا تقتضي الحكمة إيصالها بدون ذلك فإن امتثلتم فلكم وإن توليتم فعليكم. وقوله تعالى: {وَإِن تَتَولواْ} عطف على قوله سبحانه: {أَن تُؤْمِنُواْ} أي وإن تعرضوا عن الإيمان والتقوى {يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} يخلق مكانكم قومًا آخرين وهو كقوله تعالى: {يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [فاطر: 16] {ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم} في التو لي عن الايمان والتقوى بل يكونون راغبين فيهما.
وثم للتراخي حقيقة أولبعد المرتبة عما قبل. والمراد بهؤلاء القوم أهل فارس. فقد أخرج عبد الرزاق. وعبد بن حميد. وابن جرير. وابن أبي حاتم. والطبراني في الأوسط. والبيهقي في (الدلائل). والترمذي وهو حديث صحيح على شرط مسلم عن أبي هريرة قال: «تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {وَإِن تَتَولواْ} الخ فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تو لينا استبدلوا بنا ثم لا يكونون أمثالنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان ثم قال: هذا وقومه والذي نفسي بيده لوكان الايمان منوطًا بالثريا لتناوله رجال من فارس»
وجاء في رواية ابن مردويه عن جابر الدين بدل الايمان. وقيل: هم الأنصار. وقيل: أهل اليمان. وقيل: كندة والنخع. وقيل: العجم. وقيل: الروم. وقيل: الملائكة وحمل القوم عليهم بعيد في الاستعمال. وحيث صح الحديث فهو مذهبي.
والخطاب لقريش أولأهل المدينة قولان والظاهر أنه للمخاطبين قبل والشرطية غير واقعة. فعن الكلبي شرط في الاستبدال تو ليهم لكنهم لم يتولوا فلم يستبدل سبحانه قومًا غيرهم والله تعالى أعلم.
ومما قاله بعض أرباب الإشارة في بعض الآيات: {يا أَيُّهَا الذين ءآمنوا إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ} [محمد: 7] نصرة الله تعالى من العبد على وجهين صورة ومعنى. أما نصرته تعالى في الصورة فنصرة دينه جل شأنه بإيضاح الدليل وتبيينه وشرح فرائضه وسننه وإظهار معانيه وأسراره وحقائقه ثم بالجهاد عليه وإعلاء كلمته وقمع أعدائه. وأما نصرته في المعنى فبا فناء الناسوت في اللاهوت. ونصرة الله سبحانه للعبد على وجهين أيضًا صورة ومعنى. أما نصرته تعالى للعبد في الصورة فبإرسال الرسل وإنزال الكتب وإظهار المعجزات والآيات وتبيين السبل إلى النعيم والجحيم. ثم بالأمر بالجهاد الأصغر والأكبر وتوفيق السعي فيهما طلبًا لرضاه عز وجل. وأما نصرته تعالى له في المعنى فبافناء وجوده في وجوده سبحانه بتجلي صفات جماله وجلاله {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون} يشير إلى جنة قلوب أرباب الحقائق الذين اتقوا عما سواه جل وعلا {فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ} هو ماء الحياة الروحانية لم يتغير بطو ل المكث {وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ} وهو العلم الحقاني الذي هو غذاء الأرواح أولبن الفطرة التي فطر الناس عليها {لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} بحموضة الشكوك والأوهام أو الأهواء والبدع {وأنهار مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ} وهي خمر الشوق والمحبة:
يقولون لي صفها فأنت بوصفها ** خبير أجل عندي بأوصافها

علم صفاء ولا ماء ولطف ولا هوى ** ونور ولا نار وروح ولا جسم

{للشاربين وأنهار مّنْ عَسَلٍ} وهو عسل الوصال {مُّصَفًّى} عن كدر الملال وخوف الزوال {ولهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثمرات} اللذائذ الروحانية {وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ} ستر لذنب وجودهم كما قيل:
وجودك ذنب لا يقاس به ذنب

{كَمَنْ هو خالد في النار} نار الجفاء {وَسُقُواْ مَاء حَمِيمًا} وهو ماء الخذلان {فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} [محمد: 15] من الحرمان {ولو نشاء لأريناكهم فَلَعَرَفْتَهُم بسيماهم} [محمد: 30] وهي ظلمة في وجوههم تدرك بالنظر الإلهي قيل: المؤمن ينظر بنور الفراسة والعارف بنور التحقيق والنبي عليه الصلاة والسلام ينظر بالله عز وجل. وقيل: كل من رزق قرب النوافل ينظر به تعالى لحديث «لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به» الحديث وحينئذ يبصر كل شيء. ومن هنا كان بعض الأولياء الكاملين يرى على ما حكى عنه أعمال العباد حين يعرج بها وسبحان السميع البصير اللطيف الخبير. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ولهو}.
هذه الأجور التي وعد الله بها من امن واتقى جاءت مبينة في آيات كثيرة كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وَآمنوا بِرسوله يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الحديد: 28] إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: {ولاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ}.
في هذه الآية الكريمة أوجه معلومة عند أهل التفسير منها أن المعنى: ولا يسألكم النبي صلى الله عليه وسلم أموالكم أجرًا على ما بلغكم من الوحي المتضمن لخير الدنيا والآخرة.
وهذا الوجه تشهد له آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فهو لكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله} [سبأ: 47].
وقوله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المتكلفين} [ص: 86].
وقوله تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} [الطور: 40].
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة هود في الكلام على قوله تعالى: {وياقوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله} [هود: 29] وذكرنا بعض ذلك في سورة الشورى في الكلام على قوله تعالى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المودة فِي القربى} [الشورى: 23].
قوله تعالى: {والله الغني وَأَنتُمُ الفقراء}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له قريبًا في الكلام على الله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله وَشَاقُّواْ الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} [محمد: 32] الآية.
قوله تعالى: {وَإِن تَتَولواْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُمُ}.
وقد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس وَيَأْتِ بِآخرين وَكَانَ الله على ذلك قَدِيرًا} [النساء: 133]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ولهو}.
تعليل لمضمون قوله: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم} [محمد: 35] الآية. وافتتاحها بـ (إنّ) مُغنٍ عن افتتاحها بفاء التسبب على ما بينه في دلائل الإعجاز. وليس اتصال (إنّ) بـ (ما) الزائدة الكافة بمغيّر موقعها بدون (ما) لأن اتصالها بها زادها معنى الحصر.
والمراد بـ {الحياة} أحوال مدة الحياة فهو على حذف مضافَيْن.
واللعب: الفعل الذي يريد به فاعله الهزل دون اجتناء فائدة كأفعال الصبيان في مرحهم.
واللهو: العمل الذي يعمل لصرف العقل عن تعب الجد في الأمور فيلهوعن ما يهتم له ويكدّ عقله.
والإخبار عن الحياة بأنها لعب ولهو على معنى التشبيه البليغ. شُبهت أحوال الحياة الدنيا باللعب واللهوفي عدم ترتب الفائدة عليها لأنها فانية منقضية والآخرة هي دار القرار.
وهذا تحذير من أن يحملهم حب لذائذ العيش على الزهادة في مقابلة العدّو ويتلوإلى مسالمته فإن ذلك يغري العدّوبهم.
وحبّ الفتى طول الحياة يذله ** وإن كان فيه نخوة وعِزَام

{ولهو وإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ ولا يَسْئلْكُمْ أموالكم إِن يَسْئلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أضغانكم}.
الأشبه أن هذا عطف على قوله: {فلا تَهِنُوا وتدعُوإلى السلم} [محمد: 35] تذكيرًا بأن امتثال هذا النهي هو التقوى المحمودة. ولأن الدعاء إلى السلم قد يكون الباعث عليه حبّ إبقاء المال الذي ينفَق في الغزو. فذُكروا هنا بالإيمان والتقوى ليخلعوا عن أنفسهم الوهن لأنهم نُهوا عنه وعن الدعاء إلى السلم فكان الكف عن ذلك من التقوى. وعطف عليه أن الله لا يسألهم أموالهم إلا لفائدتهم وإصلاح أمورهم. ولذلك وقع بعده قوله: {ها أنتم هؤلاء تُدْعَوْن لتنفقوا في سبيل الله} إلى قوله: {عن نفسه} [محمد: 38]. على أن موقع هذه الجملة تعليل النهي المتقدم بقوله: {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو} مشير إلى أن الحياة الدنيا إذا عمرت بالإيمان والتقوى كانت سببًا في الخير الدائم.
والأجور هنا: أجور الآخرة وهي ثواب الإيمان والتقوى.
فالخطاب للمسلمين المخاطبين بقوله: {فلا تهنوا} الآية.
والمقصود من الجملة قوله: {وتتقوا} وأما ذكر {تؤمنوا} فللاهتمام بأمر الإيمان.
ووقوع {تؤمنوا} في حيز الشرط مع كون إيمانهم حاصلًا يعين صرف معنى التعليق بالشرط فيه إلى إرادة الدوام على الإيمان إذ لا تتقوم حقيقة التقوى إلا مع سبق الإيمان كما قال تعالى: {فَكُّ رقبة أوإطعام} إلى قوله: {ثم كان من الذين آمنوا} [البلد: 13 17] الآية.
والظاهر أن جملة {يؤتِكم أجوركم} إدماج. وأن المقصود من جواب الشرط هو جملة {ولا يسألكم أموالكم}.
وعطف {ولا يسألكم أموالكم} لمناسبة قوله: {يؤتكم أجوركم}. أي أن الله يتفضل عليكم بالخيرات ولا يحتاج إلى أموالكم. وكانت هذه المناسبات أحسن روابط لنظم المقصود من هذه المواعظ لأن البُخل بالمال من بواعث الدعاء إلى السلم كما علمت آنفًا.
ومعنى الآية: وإن تؤمنوا وتتقوا باتباع ما نهيتهم عنه يَرض الله منكم بذلك ويكتِف به ولا يسألكم زيادة عليه من أموالكم.
فيعلمُ أن ما يعنيه النبي صلى الله عليه وسلم عليهم من الإنفاق في سبيل الله إنما هو بقدر طاقتهم.
وهذه الآية في الإنفاق نظيرها قوله تعالى لجماعة من المسلمين في شأن الخروج إلى الجهاد {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثَّاقَلْتُم إلى الأرض أرضِيتُم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} في سورة براءة (38).
فقوله: {ولا يسألكم أموالكم} يفيد بعمومه وسياقه معنى لا يسألكم جميع أموالكم. أي إنما يسألكم ما لا يجحِف بكم. فإضافة أموال وهو جمع إلى ضمير المخاطبين تفيد العموم. فالمنفي سؤال إنفاق جميع الأموال. فالكلام من نفي العموم لا من عموم النفي بقرينة السياق. وما يأتي بعده من قوله: {ها أنتم هؤلاء تُدْعَوْن لتنفقوا في سبيل الله} الآية.
ويجوز أن يفيد أيضًا معنى: أنه لا يطالبكم بإعطاء مال لذاته فإنه غني عنكم وإنما يأمركم بإنفاق المال لصالحكم كما قال: {ومن يبخل فإنما يَبْخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء} [محمد: 38].
وهذا توطئة لقوله بعده {ها أنتم هؤلاء تُدعون لتنفقوا في سبيل الله} إلى قوله: {فإنما يبْخل عن نفسه} [محمد: 38] أي ما يكون طلب بذل المال إلا لمصلحة الأمة. وأية مصلحة أعظم من دمغها العدّوعن نفسها لئلا يفسد فيها ويستعبدها.
وأما تفسير سؤال الأموال المنفي بطلب زكاة الأموال فصرف للآية عن مهيعها فإن الزكاة مفروضة قبل نزول هذه السورة لأن الزكاة فرضت سنة اثنتين من الهجرة على الأصح.
وجملة {إنْ يسألكموها} الخ تعليل لنفي سؤاله إياهم أموالهم. أي لأنه إن سألكم إعطاء جميع أموالكم وقد علم أن فيكم من يسمح بالمال لا تبْخلوا بالبذل وتجعلوا تكليفكم بذلك سببًا لإظهار ضغنكم على الذين لا يعطون فيَكثر الارتداد والنفاق وذلك يخالف مراد الله من تزكية نفوس الداخلين في الإيمان.
وهذا مراعاة لحال كثير يومئذٍ بالمدينة كانوا حديثي عهد بالإسلام وكانوا قد بذلوا من أموالهم للمهاجرين فيسَّر الله عليهم بأن لم يسألهم زيادة على ذلك. وكان بينهم كثير من أهل النفاق يترصدون الفرص لفتنتهم. قال تعالى: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفَضّوا} [المنافقون: 7].
وهذا يشير إليه عطف قوله: {ويُخرج أضغانكم} أي تحدث فيكم أضغان فيكون سؤاله أموالكم سببًا في ظهورها فكأنه أظهرها. وهذه الآية أصل في سد ذريعة الفساد.
والإحفاء: الإكثار وبلوغ النهاية في الفعل. يقال: أحفاه في المسألة إذا لم يترك شيئًا من الإلحاح.
وعن عبد الرحمن بن زيد: الإحفاء أن تأخذ كل شيء بيديك. وهو تفسير غريب.
وعبر به هنا عن الجزم في الطلب وهو الإيجاب أي فيوجب عليكم بذل المال ويجعل على منعه عقوبة.
والبخل: منع بذل المال.
والضغن: العداوة. وتقدم آنفًا عند قوله: {أن لن يخرج الله أضغانهم} [محمد: 29].
والمعنى: يمنعوا المال ويظهروا العصيان والكراهية. فلطفُ الله بالكثير منهم اقتضى أن لا يسألهم مالًا على وجه الإلزام ثم زال ذلك شيئًا فشيئًا لما تمكن الإيمان من قلوبهم فأوجب الله عليهم الإنفاق في الجهاد.
والضمير المستتر في {ويخرج} عائد إلى اسم الجلالة. وجوز أن يعود إلى البخل المأخوذ من قوله: {تبخلوا} أي من قبيل {اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8].
وقرأ الجمهور {يخرج} بياء تحتية في أوله.
وقرأه يعقوب بنون في أوله.
{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ}.
كلام المفسرين من قوله: {ولا يسألْكُم أموالَكم} إلى قوله: {عن نفسه} [محمد: 36 38] يعرب عن حَيرة في مراد الله بهذا الكلام.